• ×
الجمعة 29 مارس 2024 | 03-28-2024
اماسا

رحل النورس الأبيض الجميل

اماسا

 8  0  9076
اماسا

كنا تلاميذاً في مدرسة عباس خوجلي للحياة النقية والأخلاق الرفيعة

لم يكن ثرياً أو نجماً من نجوم المجتمع البارزين، ولا قيادياً سياسياً ولا خطيباً وثورياً يلهب الأكف والحماس والحناجر بالهتافات، بل كان ريحانة تسلل عطرها بين المدائن والطرقات وبيوتات أم درمان وعطبرة واستنشق الناس شذاها وبكل هدوء رحل تاركاً خلفه عاصفة حزن ووفاء نادر من أصدقاءه ومحبيه، ذلك هو عباس خوجلي المحامي، طائر النورس الأبيض الجميل الذي رحل عن شواطئنا، ومحيطاتنا ومضى إلى ملكوت رب رحيم، صبيحة الأربعاء من الأسبوع الماضي..
قد لا يعرفه البعض، ولكنه كان شيخاً بلا طريقة، ومؤسسة إنسانية ضخمة يحتويها قلب رجل يمشي بين الناس ويأكل في الأسواق، عاش ودرس بأم درمان الإبتدائي والمتوسطة قبل أن يسافر إلى مصر ليدرس الحقوق بجامعة عين شمس، ثم يعود ليمارس مهنة المحاماة بشكلها المثالي والرسالي، وبشكل أسطوري صنع منه رجل مجتمع من الطراز الأول والنادر المفقود.. كان رجلاً يجيد جمع القلوب حوله، ويعشق الخير لكل الناس، يتعامل مع كل الناس بمستوى مدهش لا يفرق بين لون وجنس ومستوى إجتماعي ومادي، ورغم أنه كان محامياً تتنامى سيرته وسمعته لتطبق الآفاق وهو لم يتجاوز بعد السادسة والأربعين ومحققاً إنجازات مهنية متميزة كان متواضعاً بشكل مدهش، مع كل أشكال البشر الذين يشكلون مجتمع سوق أم درمان وشارع الموردة، من أصحاب المباني وموظفي البنوك والشركات وزملاءه المحامين وحتى صبيان الأورنيش وغسالي السيارات والباعة المتجولين، بل حتى (الشماسة) الذين يتواجدون حول المكان بأعداد لافتة للنظر، كل هذه الفئات كان الراحل المقيم مدهشاً في التعامل معهم وإنتزاع حبهم وإحترامهم لدرجة أنهم كانوا يطلقون عليه لقب (البوس).. من حكمته وإنفتاحه في التعامل معهم وببشاشته وحبه الخير لكل الناس، وهنا كان عنوان الدرس الأول من حياة عباس خوجلي المحامي، فالدين المعاملة والمساواة، لذلك كانت البداية لنهاية مشوار الحياة عنده أيضاً درساً بليغاً وصل لكل المجتمعات، حيث أغشي عليه بمكتبه في يوم عطلة السبت، وحمله للإسعاف تلك الفئات المستضعفة التي كان يحسن إليها ويتصدق عليها أحياناً بإبتسامة.. وإبتسامة عباس لمن لم يرها ويتفاعل معها كانت تساوي ثروة.
عاش بسيطاً مبتسماً محباً ومحبوباً، ومات محمولاً على أعناق البسطاء وبكاه كل الناس، وكل الأجناس، بل أجزم أن هنالك من لم يره في حياته، ولم يتعامل عه إلا عبر الأسافير، في مجموعات الواتساب، وعلى الفيس بوك، حيث كان التواصل دافئاً وحميماً كشف جوانباً إنسانية نادرة في الرجل وصنع منه نجماً محبوباً ورغم أنهم لم يروه حقيقة إلا أنهم بكوه بشكل كان يدل على أن بينهم عشرة سنين طويلة، وفي الواقع لم تكن سوى أحاسيس نبيلة تبودلت عبر الأسافير، كانت نتيجتها عشرات المبادرات عقب وفاته، بعض المجموعات ختمت القرآن أكثر من مرة على روحه الطاهرة، وغيرهم أهدى لروحه عمرة... تعلمت من هذا أنه ليس شرطاً أن تبدو في مظهر رجال الدين حتى تكون ديناً، ولا أن تمتلك القصور والفارهات والطائرات لتكون ثرياً، ولا أن تكون قائداً سياسياً ملهما حتى يحبك الناس.. يكفي فقط أن تكون مثل (أبو وهبي).
كانت لنا في حياة الالأخ والصديق عباس خوجلي عباس عبرة، ثم جاء الدرس الأكبر في مرضه وبعد وفاته.. كان عالماً خاصاً من الإنسانية.. يرى البشر من منظور إنساني شفيف ونادر... يتعامل مع البعض برغم وجود الفوارق الكبيرة في المستوى الإجتماعي والأكاديمي.. وعندما ينصرف يقول: ده إنسان جميل ياخي... بلغة أحببناها لأنه كان ينطقها بعمق ورنين خاص.. لا ينسى.. تعلمنا منه الكثير وكأننا كنا تلاميذ في مدرسة عصرية علقت لافتتها وزينت بإسم مدرسة: عباس خوجلي للحياة النقية والأخلاق الرفيعة.
اللهم إنه عباس خوجلي عباس قد جاءك ملبياً نداءك في ملكوت الرحمة عندك، أنت أعلم به منا، تعلم أنه جاء فقيراً إلى رحمتك، أغلسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس يارب العالمين، وسع مدخله ومرقده، واجعل قبره روضة من رياض الجنان، اللهم أعنا على فراقه.. وأجعل البركة في ذريته وأشقائه وأهله ولاترنا مكروهاً في عزيز لدينا
امسح للحصول على الرابط
بواسطة : اماسا
 8  0
التعليقات ( 8 )
الترتيب بـ
الأحدث
الأقدم
الملائم
  • #1
    بت الصائم 10-25-2016 03:0
    ليوم يااااه معقوول ايها الانسان النبيل اعرف فاجعة موتك ياااه عباس أرحلت عنا اكاااد لا اصدق..استغفرك ربي..إنا لله وإنا اليه راجعووون..
    الزميل الخلوق في جامعة عين شمش والاخ الكبيير والاب الحنون ارحلت عنا لا لا استطيع حتي ان اعزي نفسي لا إله الا الله..ربي ياااارحم الراحمين ارحمه برحمتك الواسعة ياحنااان ياااامناان
  • #2
    هاني ميرغني 11-09-2015 06:0
    اجدك بزلت قصاري جهدك ولم ولن توفي
    لا لقصور او تقصير منك
    فقط لكبر حجم من تتحث عنه
    ساقص عليك بعض الحروف اخي ابو عاقله
    اتيت الي عماره الحريه موقع مكتب عباس خوجلي اتلمس بدايات مهنه المحاماه
    فكان هو المحتوي
    فكان هو الاب وكان هو الاخ والصديق والمربي
    اخذت منه ما لم ااخذه طيله سنواتي الدراسيه
    غادرت البلاد
    وسمعت الخبر المشؤم ولم استطع حتي ان اعذي نفسي واباناءه
    كانت عرائضه وخطاباته يختمها
    بتفضلوا بقبول وافر الشكر والتقدير
    الكعباره التي لم احيد عنها الي يومي هذا رغم طول السنوات...
    وبتفضلوا بقبول وافر الشكر والتقدير...
  • #4
    عبودى 10-19-2015 12:0
    اتمنى من الله ان يتغمد اخانا عباس خوجلى بالرحمه والمغفره وان يسكنه فسيح جناته مع الصديقيين والشهداء حقيقه اخى ابو عاقله انت انسان طيب وبتعرف الناس الطييبين امثالك هذا العباس ربنا يرحمه من اقربائى بولاية نهر النيل وكل ماوصفته به حقيقه خصال يتمتع بها لكنى لم اظن ان دماسة خلق العباس وطيبة معشره وبساطته لايعرفها الا عدد محدود ولكن بعد وفاته عرفت ان البساطه تجلب حوليك كل الناس والله يخوننى التعبير فى حق المحامى الانسان عباس خوجلى (اللهم اجعل قبره روضه من رياض الجنه)ولك التقدير والاحترام ابوعاقله
  • #5
    صالح عثمان سعيد 10-19-2015 12:0
    لم اعرفه ولكني أحببته من خلال بيانك وسحرك الرائع في وصفة هذا الجميل له الرحمه والمغفرة .
  • #6
    ahmed 10-19-2015 12:0
    تغمده الله بواسع رحمته ومغفرته واسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء وحسن اولئك رفيقاً .
  • #7
    أبو ناهد 10-19-2015 11:0
    اللهم أرحم عبدك عباس خوجلي عباس، واسكنه فسيح جناتك يا قادر يا كريمز

    شكرا الاستاذ/ ابو عاقلة، فقد جلعتنا نبكي على رجل لم نسمع بها في حياتنا ولكنه وصفك البليغ وحبك الفياض وانسانيتك الغامرة هي من قادتنا لمعرفة هذا الكنز المفقود. ولا يثبت الفضل إلا اهل الفضل مثلك يا ستاذ.
  • #8
    سيف الدين خواجه 10-19-2015 09:0
    اخي ابو عاقله في زمن الندرةهذا انت ايضا احد النادرين كما الحق تماما اثق تماما في وصفك للرجل فابكيتني له شابيب الرحمة والمغفرة والرضوان ويكفي انه كان انسانا بسيطا ومتواضعا للبسطاء الذين يضيعون تحت ارجل البلهاء وما اكثرهم جعل الله الجنة متقلبه ومثواه
       الرد على زائر
    • 8 - 1
      ود محمود 10-19-2015 11:0
      هكذا انتم ( ابو عاقلة وسيف الدين خواجه )ريحة زهره فواحه مرشوشه بريحة حكمة ووفاء وعقلانيه ،له الرحمه والمغفرة
أكثر

للمشاركة والمتابعة

تصميم وتطوير  : قنا لخدمات الويب

Powered by Dimofinf CMS v5.0.0
Copyright© Dimensions Of Information.

جميع الحقوق محفوظة لـ "كفر و وتر" 2019