• ×
الخميس 25 أبريل 2024 | 04-24-2024
اكرم حماد

داؤود.. نجيب محفوظ الصحافة الرياضية..!

اكرم حماد

 0  0  1379
اكرم حماد
كما أفكر
أكرم حماد

الكتابة عن داؤود بقدر ما هي سهلة.. بقدر ما هي صعبة.. سهلة لأن تفاصيله معروفة.. كتاب مفتوح كإنسان.. وكصحفي.. وصعبة لأنه كتاب جميل.. لماذا صعبة؟... الجواب بسيط.
في العادة عندما تنتهي من قراءة كتاب (ورقي) جميل تداهمك مشاعر مختلطة ما بين الشعور بالمتعة والشعور بالحسرة لنهاية المتعة.. هذا عن الكتاب الورقي.. فما بالك إذا كان الكتاب من لحم ودم.. وليس أي دم.. دم إنسان.. طيب.. متسامح.. مهذب.. متواضع.. صاحب قلب كبير.. معطاء.. والعطاء ليس بالضرورة أن يكون مادياً.
داؤود مصطفى.. إنسان طيب لأبعد الحدود.. ويحب الخير للجميع.. عاش بسيطاً ومات بسيطاً.. ومواقف البساطة كثيرة من بينها موقف حكاهُ لي صديقه المقرب محمد كندشة.. قال لي كندشة أنه دخل ذات يوم إلى نادي مشاهدة فوجد داؤود يقف على قدميه في آخر الصف ويتفرج على المباراة (نظراً لعدم وجود مقعد شاغر).. بمعنى أنه لم يفكر في إستغلال إسمه كصحفي معروف لطلب شيء في غاية البساطة وهو كرسي للجلوس... بساطة.. وتواضُع في ذات الوقت.
هو متواضع جداً.. والأهم من ذلك إنسان عفيف.. نظيف اليد.. حتى في مرضه الأخير لم يحاول أن يطلب شيء من أحد رغم أنه كان في أمس الحوجة إلى المال من أجل السفر إلى القاهرة للعلاج.
مهموم بالآخرين بصورة تستحق التأمُل.. أذكر أنه كان أحد المضادات الحيوية لشائعات الموت التي طالت الرشيد بدوي عبيد.. كان يتصل بالرشيد في القاهرة ثم بعد ذلك ينثر الطمأنينة على صفحته الشخصية في موقع التواصل الإجتماعي (فيس بوك) وعلى زاويته المقروءة في الزميلة قوون.. بل أنه كان يحرص على إخطار الرشيد بكل الكتابات التي تتحدث بشكل إيجابي عنه.. ربما لأنه كان يعلم أن الحالة المعنوية لا تقل أهمية بالنسبة للمريض من الأدوية.
هو يهتم بالتفاصيل كإنسان.. يشارك في كل المناسبات الصغيرة قبل الكبيرة.. يلتقط الصور ويحتفظ بها ثم تمر السنوات ويفاجأك بها.. قال لي صديقه كندشة أنه أخذ صورة لطفل صغير من أطفال الجيران.. وعندما كبر هذا الطفل وتخرج من الجامعة فاجأه داؤود بالصورة من خلال تهنئة في الصحيفة.
حتى في كتاباته يهتم بالتفاصيل.. ولا تشعر بأنه يكتب من أجل المادة.. والدليل على ذلك صفحته الأسبوعية والتي لم ينطفيء الوهج الخاص بها ولم يخفت بريقها رغم مرور السنوات.. نفس الجودة.. ونفس الإتقان في الكتابة.. ونفس الوفرة.. كمية بمعايير النوعية.. لهذا أرى أنه (نجيب محفوظ الصحافة الرياضية) بإعتبار أن الأديب المصري الكبير كان يهتم بالتفاصيل من خلال رواياته.. حتى أسلوب داؤود السلس المميز والذي يظهر من خلال إنسيابية السرد يجعلك تشعر بأنه أديب (مُتنكر) في زي صحفي رياضي!
بمناسبة التفاصيل.. هو من الصحفيين الذين يدعمون الصحفيين الشباب.. بالإشادة من ناحية.. والنصح من ناحية أخرى.. وعندما تعجبه مادة لزميل يقوم بإعادة نشرها في صفحته الإسبوعية.. لن أبالغ إذا قلتُ أنه أكثر صحفي كتب عن "أو أشاد" بالعبد لله.. ولم يكن (يختزل) الكلام الجميل في رأيه أو حروفه الشخصية.. بل أنه ذهب إلى أبعد من ذلك قبل فترة من خلال كتابته لأسطر أكد من خلالها أنه سمع مجموعة من الأشخاص يشيدون بكتاباتي في الكرة العالمية فقرر أن يكتب هذا الشيء أو يشير إليه..!
دائماً أقول.. داؤود صاحب مفردة خاصة.. تشعر وأنت تقرأ له أنه يتلاعب بالكلمات مثلما يتلاعب زين الدين زيدان بالكرة.. ويدندن بالفكرة مثلما يدندن فنانه المفضل زيدان إبراهيم بالأغاني.. كلماته تتراقص بإصطفاف بديع.. وأسلوبه مفهوم بالنسبة للشخص المثقف وللقاريء البسيط في ذات الوقت.. هو أسلوب السهل الممتنع.. أسلوب خاص ومميز.. لدرجة أنه إذا وقع في يدك مقال له دون إسم أو توضيح ستقول وأنت (مغمض) هذا المقال بقلم داؤود.
جمعتني مكالمة به يوم الأربعاء الماضي (اي قبل ثلاثة أيام من رحيله).. وفي نهاية المكالمة وعدته بالزيارة في منزله برفقة زميلي وصديقي عبد اللطيف الهادي.. لم أكن أعلم وأنا أتحدث معه أنني سأذهب إلى منزله بعد أيام قليلة معزياً فيه.. لا زائراً له..!
ختاماً أقول.. هناك نقطة جوهرية تستحق التنويه.. داؤود كان من الكتاب المعتدلين.. لا يعرف المهاترات وأظنُ أنها كانت لا تعرفه.. هو صحفي موضوعي.. محترم.. شامل.. والمؤكد بالنسبة لي أنه أخذ أقل من حقه.. الأدبي قبل المادي.. (مثل الكثير من المحترمين في هذه البلاد).. ولكن عزاؤنا أنه إنتقل إلى الرفيق الحق.. حيث لا حق يضيع.!
له الرحمة والمغفرة.. إنا لله وإنا إليه راجعون.
صباح الخير بالليل
مرض ما.. حادث ما.. شيء ما.. سيجعلك تنتقل في يوم ما.. إلى الرفيق الأعلى.. حزن ما.. ألم ما.. وجع ما.. سيجعل أحبابك في حالة ما.. ولكن هذا الحزن.. الألم.. الوجع.. لن يعيد إلى محطة ما قبل (شيء ما)..!
بكسر العين وفتحها.. عبرة ما...!!


امسح للحصول على الرابط
بواسطة : اكرم حماد
 0  0
التعليقات ( 0 )
أكثر

للمشاركة والمتابعة

تصميم وتطوير  : قنا لخدمات الويب

Powered by Dimofinf CMS v5.0.0
Copyright© Dimensions Of Information.

جميع الحقوق محفوظة لـ "كفر و وتر" 2019