زووم
لا أعتقد أن الأستاذ محمد جعفر قريش قد تحول بين ليلة وضحاها من سكرتير همام، وشاب مهذب ومتعلم إلى مجرم مطلوب للعدالة، ولكن ثمة تفاصيل يجب أن نحيط بها ونسلط عليها الأضواء حتى نستطيع أن نقف (كإعلام) على مسافة واحدة من الشخصيات التي تتصدى للعمل الإداري في هذه الأندية، وقد أسفت أيما أسف وأنا أقرأ أعمدة بعض الزملاء أمس وقبل شهر تقريباً وهم ينصبون المشانق للرجل، بل ويتهمونه في ذمته لمجرد أنه اختلف مع مجلس الإدارة وجاهر بمعارضته له، مع أنه هو نفسه الرجل المهذب والواعي وبن الناس الذي درس في جامعة مانشستر وتلميذ شداد وأحد أبناءه الخلص.. وكل اليوتوبيا التي كتبت فيه إبان كان سكرتيراً للنادي، وقبل أن يختلف مع القيادة.
قد أكون أول من أوقفه قريش أمام المجلس القومي للصحافة في قضية إتضح أنها كانت بسبب سوء فهم ليس إلا، وبعد وقفة واحدة أمام المجلس إتضح الأمر فحصل على توضيح في صحيفة الكابتن التي كنت أعمل فيها، وانتهى الأمر بيننا وكأن شيئاً لم يكن، وكنت وما زلت أصف خطوته بالحضارية لأنها منحته حقاً هو أهل له، وبرأتني أيضاً من الفهم الخاطيء بإستهدافه وإشانة سمعته لأن ذلك لم يكن هدفاً من أهدافي في يوم من الأيام، فنحن أبناء الوسط الرياضي، وندرك حقيقة الروح الرياضية، كما نستطيع أن نحدد بالضبط أهدافنا بدقة، وحقيقة أكتبها اليوم وعلى استعداد لتكرارها مرات ومرات أنني أنتقد كثير من الإداريين، ولكن .. والله على ذلك شهيد.. لا أشعر بحقد على أحد، ولم يتجاوز الخلافات المتمخضة عن الرأي الحد المعقول إلى عداءات شخصية إلا مع إداري واحد في المريخ.. يعرفه الكل بقدرته على استعداء الآخرين وافتعال المشكلات.. كان قد تعدى كل حدود المعقول وتناول أهلي وقبيلتي بعبارات لا تخرج من شخص إلا لترتد إليه.. اما بقية الإداريين في المريخ أو الوسط الرياضي، فنكن لهم كل التقدير والإحترام، ونثمن دورهم الكبير، وشجاعتهم في التصدي للمسؤوليات في ظل ظروف غاية التعقيد، ونحن أحرص منهم على بلوغ الغايات بالنقد والتصويب بين الفينة والأخرى، وفي هذه الناحية، نرى أن عدداً من القادة الرياضيين يقابلون آراءنا بنوع من الإحترام.. والبعض الآخر يميل لشخصنة الأمور وتوجيه تلك الآراء والإنتقادات إلى حيث يساء فهمها، ولكن، يوماً ما لم نشعر بأن محمد جعفر قريش يتعامل مع هذه الآراء بغير إحترام، رغم حدتها في كثير من الأحيان.. بل أعتبره من الشخصيات التي يسعى أي شخص لأن تزين قائمة أصدقاءه.
كل هذه الفذلكة أريد أن توصلنا إلى فهم قد يكون مستحيلاً بحسب معطيات هذه الأيام، ولكننا ننشده ونريد أن يؤمن به الجميع ويتخذه دليلاً في تعامله مع الشخصيات الإدارية، وهو أن الإحترام والتقدير مكفول للجميع، وكذلك حرية الرأي والإختلاف، طالما هنالك قضية تستحق أن تطرح للنقاش.. فالعقل لا يحتمل أن يكون هنالك رأيين في شخصيات في مقام محمد جعفر قريش.. رأي خاص بهم عندما يكونوا في السلطة.. ورأي آخر عندما يختلف مع المجلس والقيادة ويتخذ طريقاً معارضاً.. فهذا يعني أن جمال الوالي نفسه سيكون عرضة لهذه التناقضان إن هو ترك كرسي الرئاسة وخلفه آخر أكثر (سحراً) ووجاهة ومالاً.. ووقتها سينقلب البعض عليه كما انقلبوا اليوم على السكرتير السابق، وبدلاً أن كان هو الرجل المهذب والمتعلم والمثقف وبن الناس.. أصبح يطارد الصحفيين بسيارته في الشوارع.
ما الغرابة في التصريح لصحيفة هلالية؟
لم تظهر الصحافة الرياضية بإنقساماتها السافرة، وتتصاعد الحساسية بين الأحمر والأزرق على هذا النحو المخيف إلى عندما تراجع مستوى كرة القدم في الملعب وازدهر سوق العصبية في هذه الصحف، وأصبحت الكرة تلعب على الصحف الملونة بألوان الفريقين قبل أن تلعب على المستطيل الأخضر، ففي السابق كنا نجلس على في مكتب واحد وجهاً لوجه مع زملاء لنا كانوا يتخصصون في أخبار وتغطيات الهلال، نأكل معاً من صحن واحد، ونتواصل على مستويات أسرية وعائلية، ونخرج من مكاتبنا إلى مواقع عملنا بإستادي المريخ والهلال ونركب وسيلة واحدة وننزل في محطة واحدة بشارع العرضة قبل أن نتفرق فيذهب كل منا إلى حيث عمله الذي كلف به.. والآن ظهرت صحف للأندية غير صحيفتي الهلال والمريخ ففرقت بين الإخوة، وأصبح التناول لقضايا الآخر لا يسلم من الغرض، ولكن من حيث المبدأ لا أرى غضاضة في أن تهتم صحيفة الأسياد بالشأن المريخي، ولا شيئاً معيباً في أن تهتم صحيفة الزعيم بالشأن الهلالي.. شريطة أن تأتي الصياغة الخبرية مراعية لكل الأركان والضوابط التي تبعد الصحيفة من الغرض.. وعن نفسي لا أجد حرجاً في كتابة عمود في صحيفة الأسياد مثلاً إذا وجدت منها عرضاَ جاداً.. فقد إحترفنا الصحافة وأصبحت أكل عيش، وطالما وصلت عصبية بعض الإداريين إلى درجة أن يفتحوا إستثماراتهم في مجالنا ليتحكموا في من يعمل في صحفهم ومن ينبغي أن يبعد منها ويحاربونا في أكل عيشنا.. فمن الظلم.. بل من غير المعقول.. وغير الإنساني.. وغير القانوني.. أن نتفرج وهم يخنقون فينا الرأي والتعبير... طالما أن مرتبي وأكل عيشي من الصحيفة وليس النادي.. لذلك أرى أن الإحتجاجات ومن ثم الذم والشتم الموجه لتحالف المريخ لأن أخبارهم نشرت في الصحف الهلالية أمر لا يسنده عقل.. فكل الصحف المريخية تتعامل معهم على أساس أنهم أعداء.. حتى وقريش فيهم، وقد كان بالأمس بن الناس المتعلم المثقف، ولا تنشر لهم حتى الأخبار التي يشيدون فيها ببعض الإشراقات داخل النادي.. بل كثير من الزملاء يتتبعون عوراتهم ليتناولوها بالغمز واللمز الذي يباعد الشقة بين الفرقاء أصلاً.. ولو تحقق الوفاق وأصبح الجميع على قلب رجل واحد فيبدو أنهم لن يجدوا ما يكتبونه.