• ×
الخميس 18 أبريل 2024 | 04-17-2024
صلاح شكوكو

إشكالـــــية تربــــــوية

صلاح شكوكو

 0  0  12378
صلاح شكوكو
صلاح محمد عبدالدائم (شكوكو (

تفقد الأسرة ثلث دورها المتعاظم في تربيّة الأبناء، حينما تترك الأبناء يواجهون البثّ القادم عبر التلفازدون رقابة، حتّى لو كان من قناة عربية.. ذلك إنّ مفهوم التربية الحقيقي، هو أن أكون أنا كأب عقلا وضميرا لطفلي، لأنّه في هذه الفترة يكون بلا عقل ولا ضمير.. ومن المفترض عليّ العمل على تنمية ذوقه وتقويم سلوكه وقدراته ومواهبه ومعارفه وتقييم كل الأشياء منتقاة أمامه.. ذلك إنك لو تركته وحيدا يتلقّى أفكارا مجهولة بالنسبة له ستغزوه الأفكار المتناقضة والقيم المغلوطة وسينشأ ممزق القناعات يفتقد الى الثوابت
مع ملاحظة أنّ هذا الدور ليس اختياريّا أو تطوّعيّا، بل هو حقّ للطفل على أبويه إذ أن ترك الطفل يكتسب شخصيّته بمنتهى (الحريّة) ثمّ يتفاجأ الوالدان بأن بعض السلوكيات على غير ما يرغبان، فيبدأن المعالجة ولكن بعد فوات الأوان.
والكارثة أن الأبوين يفعلان ذلك ظنا منهما أن الحرية هي أن لا أقيد الطفل بالأوامر والنواهي ليشب بلا عقد.. بينما الواجب ينبغي أن أصحح له كل الأخطاء بإسلوب مناسب يدور بين الحديث الرقيق وشيء من العقاب الحكيم ، ذلك أن كلمة (عيب) قد تكون عقابا رادعا في أحايين كثيرة.
هنا أستحضر في خاطري صورا واقعية يعاني منها بعض المغتربين الذين يحسون بأن وجودهم في بلاد الغربة يعتبر لونا من التضحية يقابلها عدم وجود مؤثرات عليهم في تربية الأبناء وبالتالي يتركون لأطفالهم الحبل على الغارب والقارب .. وهم في غمرة هذا الفعل لا يحسون بالخلل التربوي لأن الطفل ينبغي أن ينشأ في حاصنة ملونة فيها الأب والأم والجد والجدة وكل أفراد المجتمع حوله وقد لا يدركون أثر ذلك إلا عندما يعودون في إجازاتهم فيجدون أطفالهم يتصرفون بشيء أقرب ما يكون للتخلف منه للحال السوي العادي .. وقد لا يلحظون ذلك، لكن المقربين منهم سرعان مايحسون بأن هناك خلالا مايعترى الأطفال
نعود للإعلام مرة أخرى فنتحدث عما يبثه من سموم وأفكار فاسدة.. فحواها العري والفجور والفواحش والسلوكيّات المنحطّة، التي تتشبّع بها نفس الطفل من الأفلام والمسلسلات وغيرها.. حتى أن الأغاني المصورة على نسق (الفيديو كليب) لهي السم المحشو في طيات الدسم من خلال اللقطات السريعة والحركات الماجنة وتلاقي الفتيات والفتيان بملابس فيها ما فيها من الإيحاءات الفاجرة.
وقد نترك الأطفال أمام التلفاز ساعات طويلة بدعوى إبعادهم عنا حتى نستريح من الضوضاء والصخب الذي ينبعث منهم .. وبتركهم أمام بعض المحطات التي تبث رسوما وقصصا وروايات متحركة ونحن لا نعلم إنّ كلّ نماذج قصصنا ورواياتنا وأفلامنا ومسرحيّاتنا هي شخصيّات مريضة بكلّ المقاييس، وإن صحّ فيها شيء، فهو إنتصار الحق على الشر ولكن بعد بث السموم في العقول الخاوية.
وهنا استشهد بحديث للدكتور المرحوم (مصطفى محمود) حول الإعلام المصري حيث يقول :- (أنّ هـذه المزبلة هي أقوى عامل هدم ينخر في جسد المجتمع المصريّ ، فهي تربّي أجياله الجديدة على السلبيّة والجهل والفهلوة.. بلا علم ولا ثقافة، وهي لا تنجح إلا في إعداد المجرمين والشباب المايع الذي لا هم له إلا الحب والزواج العرفي، (إنتهى)
إنّ طفلك الذي تتركه يرضع هذه السموم القادمة إلينا من الخارج وهو في فترة تكوينه الأولى، تهتز قناعاته وتترسب في أعماقه مفاهيم خاوية وتخيلات عميقة يستصحبها معه في مراحل عمره القادمة فتترسّخ في ذهنه كثير من القيم المغلوطة مع التكرارأهمها :-
التصور الفاسد عبر الزمان عن المجتمع، بسبب المنحرفين الذين يشاهدهم عبر التلفاز كل يوم ، بصورة أكبر مما يشاهـد من الملتزمين المستقيمين والمحترمين الذين يصادفهم في محيط الأسرة والعائلة ( إن صادفهم ) فيصبح العالم كله بالنسبة له هو (عادل إمام) و(يسرا) وهما على سرير النوم بملابس النوم .. وهذا يُلغي بالتدريج حاجز الخجل من ارتكاب الخطأ ، باعتبار أنّ كلّ المجتمع يفعله ، ولا أحد يستنكر ذلك فيضحى ذلك سببا يكسب الطفل حصانة نفسيّة ضدّ مراقبة الناس له أو الشعور بالذنب تحت ستار الحرية الشخصية ودخول الفعـل حيزالإعتياد .. وهذا هو الدرس الأوّل في إنتاج تغذية الروح الإجرامية والفجور وعدم الحياء حتى أصبح الحياء من فطرة إيمانية الى تعريفة بأنه مرض لا بد من مراجعة الطبيب للتخلص منه ، فتنغرس في لا وعيه اقترانات شرطيّة مدمّرة من أمثلة ذلك :-
أن البطل سكّير .. البطلة راقصة أو داعرة وماجنة .
الخمر يجعل المرء أكثر ظرفا ومرحا ومقدرة على المواجهة.
المتديّن إرهابيّ شرس.. فأحذر التواجد معه أومصاحبته .
الأب الذي يحاول الحفاظ على شرف ابنته ظالم وعنيف وجاهل ورجعيّ .
الأب الذي يود أن يؤدب إبنه هو شخص غير ديمقراطي ومتخلف
ربّة البيت خدّامة.. لها أن تلزم البيت بينما الأب ماجن عربيد .
الرجل يخون زوجته مع أوّل ماجنة يصادفها وكأن الفحولة تقضي ذلك حتما.
و ... و ... و .... أرتال من الرذيلة الخفية والعلنية .

كما أن التلفاز يعرضُ ليل نهار، مشاهدَ الحبِّ والرقصِ والموضاتِ العارية، والأحضانِ والقبلاتِ التي لا تنقطعُ وكأنّها سيل جارف، والتي تتمُّ علنًا بلا حرجٍ كأنّها حقٌّ لا مراءَ فيه، ويدافعُ عنِ حقِّ الأزواجِ في الخياناتِ الزوجيّة، وحقِّ الشبابِ في الزنا، وفي العيشِ معًا سِفاحًا بدونِ زواج، أو على الأقلِّ يعرضُ ذلكَ بطريقةٍ محايدة على أنّه أمرٌ واقعٌ وعاديٌّ تمامًا
كلّ ذلك ينتزع حياء الفتيات وغيرة الفتيان، فتسيرُ الفتياتُ في الشوارعِ شبهَ عاريات ، وتشيع قصص الحبّ المراهقة، والزنا والفواحش ويصبح الفتى غير قادرعلى ردع إخته التي يحدثها الشبان في قارعة الطريق، في إطار هذا الجو تشيع الاستهانة التامّة بالأخلاق والفضائل ، وتصبح حفريّات من زمن مضى .
إظهار الشاب الناصح الملتزم وكأنه شخصية معقدة لاتصلح لهذا الزمان.. وكأنه رجعي يحمل أفكارا عفا عليها الزمن وأصبحت في أرفف المتاحف .
كما أنّ المصيبة الأعظم، هي تقديم الرذيلة بكلّ جوانبها الممتعة على مدار الفيلم، وحصر العقاب على آخر لقطتين في النهاية، حيث يتمّ القبض على البطل المجرم، الذي يقول جملة على غرار: (يا ليتني لم أفعل هذا) .. وينتهي الفيلم دون أن يعرض للطفل المعاناة والمذلّة التين يتعرّض لهما هذا المجرم في السجن، بنفس درجة سرد تفاصيل استمتاعه بالخطا.. وهذا يؤدّى بالطبع إلى استهانة الطفل بالعقاب، وإحساسه بأنّه لا يتكافأ مع متعة الرذيلة فيستحسن الرذيلة من باب المتعة أوالمغامرة والتجربة.
هذا بخلاف تخدير عقل الطفل وإيقافه عن العمل، نتيجة التكرار الأبله والأفكار المليئة بالمتناقضات والثغرات، التي لو شغل المتفرّج عقله بها لفقد استمتاعه بالعمل.
أضف لهذا تضييع وقت الطفـل، وإلهائه عن التعرّف على أساسيّات دينه، وإقصائه عن القراءة، بل وحتّى المذاكرة.. وفي كلّ الأحوال، يتمّ تهشيم عزيمة الطفل، بالتغرير به وإغرائه لتأجيل الأهمّ لمتابعة الفيلم أو المسلسل.. وبالتالي ينشأ الطفل فوضويّا لا يعرف النظام ولا ترتيب الأولويّات
هذا مع تضخيم تبعيّته لشهواته على حساب عقله وضميره.. ليس فقط بسبب الإعلانات البلهاء التي تحثه على الاستهلاك بلا مبرّر لمجرّد إشباع غريزة الامتلاك ، ولكن كذلك بسبب الإلحاح الغريزيّ في كلّ عمل فنّيّ يعرض عليه ، ممّا يفتّح ذهن الطفل لمفاهيم أكبر من سنّه، يكون لها أشنع التأثير على شخصيّته، حيث تتولّد له شهوات تخيّليّة غير متزامنة مع نموّه الجسديّ ، نتيجة استثارة فضول التجريب لديه .. جدير بالذكر أنّ الوضع سيزداد سوءا بعد تدريس مادة الثقافة (الجنسيّة) هذه المادة المفروضة على المدارس العربية، والتي جاءت تحت ضغوط من جهات نعلمها جميعا .. والتي رفضتها حتى الآن ( 3 ) دول فقط منها السودان .
كذلك تستقرّ في عقل الطفل والطفلة، صورةٌ مشوّهةٌ للمرأة، تبدو فيها متكافئة مع الرجل، بل تجدها تعاديه وكأنها ضده وفي حرب مستمرة معه.. فتجدَ في كلِّ عمل ٍ دراميٍّ امرأةً قد دُسّتْ دسًّا في مشهد نكافي، أو منصبٍ لايصلحُ له غيرُ الرجال، فتفاجأ بها ضابطةَ شرطة أكثر غلظة من الرجال، وتجدُها مع حرسِ السواحل في وحشة البحر، وتجدُها مع روّادِ الفضاء، وتجدُها في صالاتِ الملاكمةِ والمصارعة ..
بلّ إنَّ هناكَ سلاسلَ من الحلقاتِ والأفلامِ البوليسيّةِ بطلتُها الرئيسيّةُ امرأة، حيثُ تراها تضربُ الرجالَ المدجّجينَ بالعضلاتِ وبالأسلحة، رغمَ أنّهم يختارونَها في غايةِ الأنوثة (لأغراضٍ تجاريّة) .. ويبدو جليًّا للمشاهدِ أنَّ ركلةً واحدةً منها يمكن أن تُطيحُ بالمدفعِ الرشاشِ من يدِ خصمِها.. إنَّ هذا الإلحاحَ في زجِّ المرأة في غيرِ مواضِعِها، أخلَّ كثيرا بعقليّاتِ ونفسيّاتِ أجيالٍ من الفتيات، وأنتجَ مع الزمنِ أجيالا مشوّهةً من النساءِ يملؤها العنفُ والتحدّي للرجل، وبدلا من أن تخففَ من أن تكون برقّتِها وحنانِها وأمومتِها بلسما يداوي الجراح، ودخلتْ من حيث لاتعلم في حروبٍ ضاريةٍ مع الرجل، وتركتْ منزلَها لتحصلَ على قيم واهية، وأصبحتْ على استعدادٍ لطلبِ الطلاقِ عندَ أوّلِ وهلة، ولم لا، ما دامَ رجلُها لا يُقدّرُ سيادتَها وتسلّطَها وتطاولَها عليه وقلّةَ احترامها له ، ويُطالبُها باستمرارٍ بمزيدٍ من الرعايةِ والاهتمامِ به وبأطفالِه.. هل تتعجّبُ إذن من ازدياد نسب الطــلاق، وإنعدام الثقة بين الشباب والشابات وتحول الشباب الى تبني الزواج العرفي (الخفي) كحل للممارسات الفاحشة .
وأخيرا ـ وليس آخرا ، فلا أدّعي قدرتي على حصر كلّ صنوف الدمار التي تلحق بشخصيّة الطفل نتيجة هـــذه المزبلة ـ يفقد الطفل علاقته بالأسرة، نظرا لأنّ غالبيّة الوقت الذي يتواجد فيه في البيت يقضيه أمام التلفاز، ممّا يقطع خطوط التواصل بينه وبين المجاورين له أمام التلفاز.. هل تتعجّب من فشل غالبيّة الناس خاصة من الطبقة المستنيرة من توصيل مبادئهم وأخلاقهم وأفكارهم وطباعهم وأذواقهم لأبنائهم ؟؟.
يبدو أنك أخي الكريم قد فهمت أبعاد القضية كاملة وليس أمامك إلا أن تتخذ إجراءاتك الضرورية من أجل حماية لأبناء حتى لا يكونوا ضحية لهذه الظروف التي وجدوا فيها أنفسهم ولا حول لهم ولاقوة.. وليس أمامهم إلا التأمل في وجوهنا وهم في غيوبة اللا شعور.. وهم بكل المعايير ضحايا وضع نُسأل نحن عنه.. بل هم ضحايا جريمة عظيمة نرتكبها في حق الأبناء بمحض إرادتنا وكامل قوانا العقلية ، ثم نتباكى بعد فوات الأوان طالبين العون من الآخرين
وفي مثل هذا يقول الإمام الشافعي رضي الله عنه :-
نعيب زماننا والعــــيـب فينـا .. وما لزماننا عـــيـب سوانـا
ونهجوا ذا الزمان بغير ذنب .. ولو نطق الزمان لنا هجانـا


صلاح محمد عبدالدائم (شكوكو)
امسح للحصول على الرابط
بواسطة : صلاح شكوكو
 0  0
التعليقات ( 0 )
أكثر

للمشاركة والمتابعة

تصميم وتطوير  : قنا لخدمات الويب

Powered by Dimofinf CMS v5.0.0
Copyright© Dimensions Of Information.

جميع الحقوق محفوظة لـ "كفر و وتر" 2019