• ×
الجمعة 19 أبريل 2024 | 04-17-2024
عبدالله مسعود

حصاد الألسن

عبدالله مسعود

 0  0  1274
عبدالله مسعود
حصاد الألسن عبدالله مسعود
صوت أم كلثوم (4-4)
لقد كان لصوت أم كلثوم وأداؤها الخاص دور كبير في نجاح الأغنية نجاحا أكبر مما تستحقه كلماتها أو لحنها حتي لينطبق عليها المثل: المغني لا الأغنية the singer not the song لقد نقد أحد الموسيقيين لحن أنت الحب لعبد الوهاب الذي غنته أم كلثوم في أواخر الستينات نقدا مرا وبرر نجاحها الشعبي بأن أخطاء الملحن الفنية توارت خلف صوت أم كلثوم. فصوتها المصقول وأسلوبها في النطق الصحيح للألفاظ وإخراجها المسرحي لألحان الأغنية، عندما تصاحب هذه الألحان بحركات تعبيرية بيديها وملامح وجهها وحركة رأسها، ثم تفسيرها المتنوع للحن الواحد بواسطة تنويع الأداء الصوتي جعل من العسير علي السامع أن يقف علي الأخطاء الفنية للحن.
يشير بعض النقاد بشئ من المواربة أو أسلوب المدح الذي يشبه الذم إلي أن أم كلثوم بصوتها العريض وجمهورها الأعرض وقفت سدا منيعا دون تيار التطور في الغناء.غير أن الدكتورة نعمات أحمد فؤاد "الحائزة علي درجة الدكتوراة في أم كلثوم" تري أن التطور حين يوجد في أي ناحية من مناحي الحياة والفن، فيه من قوة الدفع الذاتي ما يجعله يفرض نفسه. ويطيب للبعض الآخر أن يقارنها بالبارودي؛ فأم كلثوم في رأيهم ردت إلي الغناء العربي بهجته كما رد البارودي إلي الشعر العربي قوته وقدرته علي التعبير في جزالة فخمة؛ وهذه المقارنة لا تستقيم، فالبارودي لم ير أمامه أو وراءه إلا ركاما غثا من الضعف والركاكة والتهافت، يرقد تحته الشعر العربي مريضا يتنفس بصعوبة، فأزاح البارودي وحده عنه هذا الركام ونفض عنه تراب السنين ووضع عنه أوزاره التي أثقله بها البديع والمحسنات اللفظية التي تعمدها أصحابها لتخفي خواءه. كان الشعر العربي هزيلا سقيما فأخذ البارودي يطيب المريض ويعطيه الغذاء الصحي في عملية إحياء مغايرة وكاملة حتي إنتعشت روحه وانتفض علي يديه من جديد سليما قويا قادرا علي الحركة والسير في ركب الحياة الساعية الشاعرة. أما أم كلثوم فقد جاءت بعد البارودي بنصف قرن في زمن عمر بالأصوات العريضة والموشحات العربية وأعلام الموسيقي والتلحين وأصحاب الكلمة البديعة المضيئة المعطرة؛ ووقف وراء أم كلثوم من هؤلاء يزكيها ويمكن لها الشيخ أبو العلاء محمد وزكريا أحمد والدكتور أحمد صبري النجريدي ثم القصبجي والسنباطي وبليغ حمدي. ومن الشعراء أحمد رامي الذي جمع بين الشعر والزجل من أجلها، وبيرم التونسي ومرسي جميل عزيز وعبد الوهاب محمد وأحمد شفيق كامل.
قد يكون أقرب إلي الصواب قول الناقد، ولعله تفسيرا للمقارنة التي ذهب إليها، إن صوت أم كلثوم قد أتاح للملحنين أن يجوبوا آفاقا باهرة ما كانت لتخطر لهم علي بال لولا وجود ذلك الصوت الذي حملهم إلي تلك الآفاق..فصوت أم كلثوم بمقدرته الهائلة ومساحته الخصبة ومقاماته المصقولة المضبوطة ذات التناسق العجيب وذبذباته السحرية ونبراته الوضيئة التي تتمثل فيها ألوان من لمحات الجمال والجاذبية والقوة لا نهاية لها، هذا الصوت هو الذي أشعل مواهب الملحنين وأثار التنافس بينهم وألهمهم ألحانا حاولوا ما وسعهم جهدهم أن تكون علي مستواه، وحرصوا علي الدوام أن يلبوا متطلباته من الألحان التي لا يستطيع صوت سواه أداءها.
إن ظهور أم كلثوم في عشرينات القرن الماضي إرتبط بثورة قومية في مجال الغناء والموسيقي، وكان صوتها من أكبر عوامل النجاح السريع لتلك الثورة؛ فقد كان من الصعب علي الأسماع التي أفسدتها ألحان الأتراك والفرس والغجر أن تصغي لألحان الشيخ أبو العلا ذات الأسلوب العربي لولا تلك المفارقة التاريخية التي تمثلت في صوت أم كلثوم.
عبدالله مسعود
الرياض المملكة العربية السعودية
21/7/1434هـ
31/5/2013م

امسح للحصول على الرابط
بواسطة : عبدالله مسعود
 0  0
التعليقات ( 0 )
أكثر

للمشاركة والمتابعة

تصميم وتطوير  : قنا لخدمات الويب

Powered by Dimofinf CMS v5.0.0
Copyright© Dimensions Of Information.

جميع الحقوق محفوظة لـ "كفر و وتر" 2019