حصاد الألسن عبد الله مسعود
الرياضي المثالي
تلقيت و أنا من الغبطة في نهاية نبأ تكريم إدارة الرياضة بجامعة الخرطوم لذلك الرياضي المفن الذي نُعت بحق بلقب "المايسترو" . لقد كان لي شرف معرفة المايسترو يوسف مرحوم عند قبولي بجامعة الخرطوم في يوليو 1960م كطالب حقوقي ، إذ كان يوسف يشغل وظيفة سكرتير كلية الإقتصاد حينئذ. كنت قد إنضممت للفريق الأول لكرة القدم بالجامعة منذ أول تمرين لي مع المقبولين الجدد لإختيار المتميزين منهم للعب في الفريق الأول و كنت أحدهم ولا فخر. بعد فترة وجيزة إتصل بي الأستاذ / يوسف مرحوم و عرض علي فكرة أن أنضم لنادي النيل و دعاني لتمرين في ميدان النيل جنوب كوبري الحرية . أديت التمرين مجاملة ليوسف الذي لا يستطيع أحد أن يرد له طلبا ، فيوسف مستودع لطف و كياسة و تهذيب و فوق ذلك كله ، كنت من المريدين و المتيمين بأسلوبه الإنسيابي في اللعب و خلقه الرياضي القويم . فهو يطربك بمهاراته المتعددة و بأدائه السهل الممتنع. كان حقا أن يهيم الكل في ذلك البحر الزاخر من العلم و الثقافة و الفن و الأدب و التواضع و الذوق السليم . فهو و لا غرو الرياضي المثالي على مر العصور .
حضرت التمرين عصر يوم قائظ ضمن ثلة من المشاهير أمثال : برعي سليم والضُرس و أبو إسكندر و المدرب بخيت . عدنا بعد إنتهاء التمرين إلى نادي النيل فهرع يوسف ليخلع حذاءه و يتوضأ و يلحق بصلاة الجماعة في "البرش" الذي هو السمة المميزة لكافة الأندية الرياضية في الوقت الذي كنا نتلهف لتناول الليمون بالثلج المكسر وروح الموز. بعيد ذلك سألني يوسف عن إنطباعي عن فريق النيل ، دون أن يوحي إلى بشئ لفرط رقته و حساسيته و إنسانيته . فهمت ما رمى إليه المايسترو و قلت له : إن نادي النيل من الأندية العريقة و يجهد الكثيرون أنفسهم لينالوا شرف الإنضمام إليه إلا أنني أصدقك القول لا أود اللعب في الأندية الرياضية و أنا حديث عهد بالجامعة و لا أود أن يصرفني شئ عن دراستي الجامعية خاصة أن كلية الحقوق تعد أصعب كلية في الجامعة بإستثناء كلية الهندسة . وافقني و لم يجادلني في الموضوع و ظل صديقا عزيزا منذ ذلك التاريخ و أنا به فخور و إن باعدت بيننا الأيام و السنون لظروف الإغتراب.
نحن شعب يغيض فيه الوفاء يوما بعد يوما ، فكم من مبدع و مفن عطر أيامنا بفنه و إبداعه و صار نسيا منسيا. نحن من بعد الإستقلال صرنا بلد "الإستغلال" ، نعتصر المواهب و نمتص كل الرحيق ثم نقذف بها في سلة النسيان .
العالم المتحضر يقيم المتاحف للأدباء و الفنانين و الرياضيين . متاحف تضم سيرتهم و إنجازاتهم و صورهم تخليدا لذكرى أولئك العمالقة و توثيقا لتاريخ تنهل منه الأجيال القادمة و تحذو حذو تلك الفئة من بني عبقر الذين أحالوا كالحات أيامنا بهجة و سرورا . تحية لك أخي يوسف أيها الصَديق من البعد . دعائي أن يمتعك الله بالصحة و موفور العافية بمثل ما أمتعتنا بفنك الرفيع المتفرد.
عبد الله مسعود
الرياض ، المملكة العربية السعودية
21/6/1434هـ
1/5/2013م