• ×
الخميس 18 أبريل 2024 | 04-17-2024

اجتثاث شجرة

اجتثاث شجرة
بدر الشريف ادريس عبد الباري صاحب الكارو..! كم تغير هذا الرجل منذ زمن قليل ، بعد أن أفلح بجهد دؤوب من انشاء ورشة نجارة لتصنيع الدواليب والمناضد الصغيرة لأهالي القرية ، ومع مهارته المعروفة في هذه الصنعة ، لم ينس له الأهالي أبداً ، محاولته ذات يوم اجتثاث شجرة سنط .. قالوا أنها ملعونة ، ومأوى للجن ، وهي الشجرة الوحيدة التي تنمو وسط الطريق المار بين مجرى النهر والمقابر ، ويؤدي لمزارع الخضروات , وأعتاد ملاك هذه المزارع والأجراء فيها تلاوة أدعية الحفظ أثناء مرورهم وعبورهم من تحت أو جوار هذه الشجرة ، لا ينسون ذلك بالمرة ، وفي اعتبارهم أن هناك الكثر ممن تخطوها سهواً أو غير آبهين فأصابهم شر مستطير ، مثل رابحة بنت عبيد ، أيام حبلها الأول ، وكانت قادمة من مزرعة ، تحمل قليل من البصل للطعام ، فانجبت وليداً أبكماً.. أيضاً كان إبن مهندس المشروع الزراعي البيطري بالقرية ، في أحد الأيام يلهو بدراجته الصغيرة حولها وتحت الخور ، الذي يمتد من تحت ساقها حتى مجرى النهر ، فعاد إلى البيت في المساء وهو يتشنج من الحمى كمريض الصرع ، وحتى حاج عثمان الرجل الستيني ، جار عبد الباري نفسه اضطربت أرجل حماره في الخور الذي يتصل بالشجرة ، قبل زواج ابنه بيومين ، فسقط على الأرض ، وأنكسرت يده ، فهب المارة من الزراع إليه وعادوا به إلى بيته وهو يئن من الألم .
وعبد الباري بالاصل _ آنذاك _ لم يبادر بنفسه لقطع هذه الشجرة الملعونة ، فقد ظهرت الفكرة أثناء نقاش دار بين الشاب ناصر التاجر ، مع شيخه ود الصعيد ، الذي يقطن القرية المجاورة لهم ، عندما زاره لاحراز البركة لدكانه الجديد الذي أفتتحه بوسط المدينة القريبة لقريتهم ، وأخبره ناصر حينئذٍ بنكباتها التي لا تتوقف ، وكان رأي الشيخ يوصي الأهالي باجتثاث الشجرة ، بعد أن يتلو لهم أدعية خاصة بطرد الجن قبل القطع ، مقابل عدد من الغنم .
وحينما أخبرهم ناصر براي الشيخ وافقوا عليه ، ولكن قبيل مجئ الشيخ في الموعد المضروب لبتر الشجرة ، في صباح ذلك اليوم ، تداول الناس في سوق القرية الموضوع بمزيج من الجد والمزح .. ما لبث أن أنبرى بينهم عبد الباري يصدع براي مغاير ، بأنه قادر على قطع هذه الشجرة ، وأقسم أنه بحكم مهنته التي تعلمها أباً عن جد في قطع الشجر ، لن تعوزه قدرة ولا يخشى شيئاً في قطعها ، فأنكروا عليه القول ، وسخروا منه .. وسخر منهم .. حتى خاله بائع الرغيف حذره ونصحه أن يهتم ببيع حطبه ، ويدع هذا الذي لا شأن له به لأهله ، لكنه أضمر أمراً ..
ففي عصر ذاك اليوم الذي لم ينسه أحد بالقرية ، حمل عبد الباري فأسه ، قاصداً قطع الشجرة بنفسه ، وهو يردد في أعماقه كيف ذلك ؟ فهذا الطريق مررت به طوال عمري ، ولا شيء غريب في هذا ؟!! والتقى في طريقه برهط من الشبان من معارفه ، فتبعوه بدهشة حالما أدركوا عزمه ، وهم لا يكفون عن تحذيره ، ويذكرونه بلعن إبليس ، وبخاصة وأن الشيخ سيأتي في الغد ليهيئ للاهالي أمر قطعها بالأوراد والأدعية الصالحة ، وبعض هؤلاء ظنوا أن تصرف عبد الباري نوع من التهور الذي ينتابه مؤقتاً كالعادة ، تماماً مثلما يثيره أحدهم بقول ساقط بذيء ، فيرد عليه الصاع صاعين ، مهدداً ومتوعداً ثم يهدأ عن تهديده ، وأنه لا محالة سينكص على عقبيه حالما يتعقل ، لكن تصوراتهم جميعاً خابت ، بعد بلوغهم معه موضع الشجرة فشاهدوه وهم على مقربة منه يشرع في العمل ، ويبدأ بسحب كمي جلابيته لأعلى عضديه ، ويمسك بخبرة على مقبض الفأس ، ثم يهوى بضربات ساحقة على ساق الشجرة ، بحماس دافق ، ومع كل ضربة فأس كان يبعث بصوت هادر من صدره ، وتطايرت الشظايا حوله هنا وهناك ، ولكنهم بعد برهة من رؤيتهم انهماكه في العمل ، ودورانه حول الساق للمعاينة ، واختيار موقع الضربة المناسبة التالية ، سمعوه يصدر من بين شدقيه زفرة آهة وألم ، ردوها للاعياء الجسيم لعظم حجم الساق ، ثم وهنت يداه ، وتباطأت حيويتها رويداً رويداً .. ثم أنزلقت الفأس من بين قبضتيه ، وأرتمى على الأرض ، وهو يمسك بأصبع قدمه ، باد الوجع في تقاطيع جبينه المتعرق ، فهرعوا نحوه وهم يهمهمون بالبسملة والاستغفار ، ويزجرونه على عناده العجيب ، وهو لا يرفع وجهه عن الأرض كان يصيح ويستعجلهم با حضار قماش أو حبل ، لربط أصبع قدمه بسرعة ، لأن عقرباً غادراً لدغه ثم غاب في شق ما بالأرض . وفي الحال أوثقوا قدمه حيث أشار ، ثم أحتملوه على عواتقهم إلى بيته وأولاده , وهم يتجادلون ويتغالطون بشدة ، إن كان ما أصاب عبد الباري هذا مجرد لدغة من عقرب ، أم هي لعنة جن يسكن الشجرة أصابت عبد الباري جراء تهوره..؟!!
امسح للحصول على الرابط
 0  0  15403

تصميم وتطوير  : قنا لخدمات الويب

Powered by Dimofinf CMS v5.0.0
Copyright© Dimensions Of Information.

جميع الحقوق محفوظة لـ "كفر و وتر" 2019